"الأمل لا يموت".. أصوات الأمهات السوريات تقود الأمم المتحدة لكشف مصير المفقودين
"الأمل لا يموت".. أصوات الأمهات السوريات تقود الأمم المتحدة لكشف مصير المفقودين
في بلد أنهكته الحرب وأثقلته ذاكرة الغياب، تتحدث كارلا كوينتانا، رئيسة المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا، بصوت يحمل الكثير من الإصرار والإنسانية حيث تقول إن "الكشف عن مصير مئات الآلاف من المفقودين ليس عملاً إدارياً أو سياسياً، بل مسعى جماعي يحمل وجع كل أسرة سورية فقدت شخصاً تحبه".
في حديثها مع "أخبار الأمم المتحدة" يوم الاثنين، تؤكد كوينتانا أن المؤسسة تعمل من أجل كل المفقودين في سوريا وخارجها، “بغضّ النظر عن هويتهم أو الجهة التي تسببت باختفائهم”؛ لأن المعاناة -كما تقول- لا تعرف الانتماءات.
وتصف كوينتانا إنشاء المؤسسة قبل عامين بأنه "ثمرة إصرار العائلات السورية على معرفة الحقيقة، وأملهم الذي لم ينكسر رغم الألم"، وتضيف: "هذه المؤسسة لم تُولد في المكاتب، بل من قلوب الأمهات والآباء الذين رفضوا النسيان، ومن أصوات النساء اللواتي قدن النضال بصبر لا يوصف".
وتوضح أن تقرير الأمين العام الأخير للأمم المتحدة وثّق خطوات التعاون مع السلطات السورية، ومنظمات المجتمع المدني، وعائلات المفقودين، مؤكدة أن الهدف الأساسي هو بناء عملية سورية يقودها السوريون بدعم دولي؛ لأن الحقيقة -كما تقول- "لن تولد إلا من الداخل".
لكل سوري قصة فُقدان
تقول كوينتانا إن ما لمسته خلال زيارتها إلى سوريا كان مؤثراً للغاية: "كل سوري لديه شخص مفقود، أو يعرف من فُقد، الغياب أصبح جزءاً من الحياة اليومية، لكن الأمل لا يزال حياً".
وتتابع أن المؤسسة تعمل عبر مسارات متعددة تشمل ضحايا الاختفاء القسري، والمفقودين على أيدي الجماعات المسلحة، مثل "داعش"، والأطفال الذين اختفوا أثناء الحرب أو خلال رحلة النزوح والهجرة.
وتؤكد أن "الوقت عامل حاسم، لكن الأمل لا يشيخ، علينا أن نعمل بسرعة ودقة لأن كل معلومة يمكن أن تنقذ حياة أو تردّ كرامة".
وتتوقف كوينتانا طويلاً عند دور النساء السوريات اللواتي يقفن في مقدمة رحلة البحث عن المفقودين، قائلة: "قوة النساء السوريات تبهرني دائماً، يواجهن الخسارة والفقر وانعدام الفرص، لكنهن يواصلن السير بثبات في درب الحقيقة".
وتروي كوينتانا لحظة مؤثرة من زيارتها لمدينة داريا: "التقينا نساءً لم يسبق لهن التواصل مع أي منظمة دولية، تحدثت إحداهن عن زوجها الذي فُقد عندما كانت ابنتها رضيعة، كانت الفتاة إلى جانبها، والآن أصبحت معلمة، رأيت في نظرتها فخرًا وألماً وأملاً في آن واحد، ذلك المشهد يجسد جوهر مهمتنا: أن نعيد الأمل لا فقط للغائبين، بل للأحياء أيضاً".
البحث عن الجميع
تشدد المسؤولة الأممية على أن مهمة المؤسسة "هي البحث عن الجميع، بغض النظر عن الجهة التي تسببت بالاختفاء".
وتضيف: "لقد تواصلنا مع السلطات السورية، ومع الهيئات الوطنية للمفقودين، ومع أسر من مختلف المحافظات، من اللاذقية وطرطوس والسويداء. هدفنا ليس الإدانة بل الوصول إلى الحقيقة".
وتقول كوينتانا إن المبدأ الأول في عملهم هو الافتراض بأن المفقودين أحياء حتى يثبت العكس، مؤكدة أن لديهم مسارات بحث متقدمة حول الأطفال المفقودين، الذين ربما أصبحوا اليوم شباباً يعيشون بهويات مجهولة.
نحن هنا من أجلكم
وجهت كوينتانا رسالة إلى العائلات، ولا سيما النساء اللواتي لم يتوقفن يوماً عن البحث، قائلة: "نحن هنا من أجلكن، أنتن لا ترافقننا، بل نحن من يرافقكن في هذه المسيرة، علينا أن نضع خبرتنا ومعرفتنا بين أيديكن، لتصبح الحقيقة ممكنة".
تقدّر الأمم المتحدة عدد المفقودين في سوريا منذ عام 2011 بمئات الآلاف، بينهم مدنيون وناشطون وصحفيون وأطفال.
في عام 2023، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا لتنسيق الجهود الدولية والوطنية في البحث عنهم وجمع المعلومات وتقديم الدعم للعائلات.
وتُعدّ هذه المؤسسة الأولى من نوعها في تاريخ الأمم المتحدة التي تُنشأ بناءً على مطلب مباشر من عائلات الضحايا أنفسهم.
ورغم التحديات السياسية والأمنية، تؤكد الأمم المتحدة أن الكشف عن مصير المفقودين شرط أساسي لتحقيق العدالة والمصالحة في سوريا، وأن الأمل في العثور على الأحياء أو استعادة رفات الضحايا لا يزال قائماً.